بِسْمِ اللـَّهِ الرَّحـْمـَنِ الرَّحِـيمِ
السَّـلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّـهِ وَ بَرَكَاتُهْ
إن الحمد لله، نحمده ، و نستعينه ونستغفره ، و نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أن محمدًا عبده و رسوله و سلِّم تسليمًا كثيرًا و على آله و صحبه و أزواجه و أتباعه إلى يوم و بعد ..
فقد أجمع العقلاء على أن أنفسَ ما صُرفت له الأوقات هو عبادة رب الأرض و السموات ، و السير في طريق الآخرة ، و بذل ثمن الجنة ، و السعاية للفكاك من النار .
و لما كان هذا الطريق كغيره من الطرق والدروب تكتنفه السهول و الوهاد و الوديان والجبال و المفاوز و يتربص على جنباته قطاع الطرق و لصوص القلوب ، احتاج السائر إلى تلمس خِرِّيتٍ([1]) يبصره الدروب الآمنة ، و المسالك النافذة ، و يعرفه مكامن اللصوص ، و أفضل الأزمنة ، و أنسب الأوقات للجدّ في السفر ، و قد كان هذا الخريت هو منهج سلفنا الصالح في النسك ، و طرائقهم في السير إلى الله و عباراتهم في الدلالة عليه ، كانت بحق خير مِعْوان على انتحاء جهة الأمان .
و هذا النسك السلفي العتيق ، و المنهج السني الرشيد في التزكية ، لا غنى عنه لكل طالب طريق السلامة ، فلا عصمة لمنهج في مجمله إلا منهج السلف الصالح .
دع عنك ما قاله العصري منتحلاً
وبالعتيق تمسك قَط واعتصمِ
و لما كانت الأزمنة الفاضلة من أنسب أوقات الجد و الاجتهاد في الطاعة و كان شهر رمضان من مواسم الجود الإلهي العميم ، حيث تُعْتَق الرقاب من النار ، و توزع الجوائز الربانية على الأصفياء و المجتهدين ، كان لزامًا أن تتواصى الهمم على تحصيل الغاية من مرضاة الرب في هذا الشهر ، و هو من التواصي بالحق المأمور به في سورة العصر ، و إذا كان دعاة الباطل و اللهو و الفجور تتعاظم هِمَمُهُم في الإعداد لغواية الخلق في هذا الشهر بما يذيعونه بين الناس من مسلسلات و رقص و مجون و غناء ، فأَخْلِقْ بأهل الإيمان أن ينافسوهم في هذا الاستعداد ، و لكن في البر والتقوى .
و لقد صامت أمتنا دهورًا ، غير أن صومها لهذا الشهر ما كان يزيدها إلا بعدًا عن ربها و مليكها و حاكمها الحقيقي ، فصار رمضان موسمًا مفرّغًا من مضمونه مجردًا من حقائقه ، بل صار ميدانًا للعربدة و شغل الأوقات بما يغضب الكريم المتعال .
و لو تجهزت الأمة لهذا الشهر الفضيل و أعدت له عدته ، و شمر الناس جميعًا سواعد الجد و شدوا مآزرهم في الطاعة لرأينا أمة جديدة تولد ولادة شرعية ، و ذلك بعد استعداد جاد و مخاض عولجت فيه الهمم والعزائم لتدخل في الشهر و هي وثابة إلى الطاعات .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
( [1] ) الدليل الحاذق في معرفة الطريق و المسالك .